بانعقاد مجلس الأساتذة بالجامعة ظهيرة اليوم الاثنين 27 سبتمبر 2021 تكون الجامعة قد أكملت تخريج خريجيها لهذا العام ،
إذ ودّعت الجامعة في الأسابيع القليلة الفائتة بنهاية أغسطس المنصرم وبانتصاف سبتمبر الجاري 2021 ، طلاب الفرقتين 23 ( في الكليات ذات الأعوام الخمسة ) و 24 ( في الكليات ذات الأعوام الأربعة ) ، والذين كان دخولهم للجامعة في العامين الدراسيين 2015/2016 و 2016/2017 على التوالي .
أود في البداية أن أشد على أياديهم مهنئا بسلامة الوصول إلى أولى عتبات الحياة العملية ، وأنا إذ أفعل ذلك فإنني أفعله باسم جميع منسوبي الجامعة من عمالها وعاملاتها ، موظفيها وموظفاتها ، وبالطبع هيئتها التدريسية ، الذين بذل غالبهم غالب جهده في تحسين بيئة العمل وبيئة التحصيل على وجه العموم ، إنما آخر الأمر لا خيل عندك تهديها ولا مال ، فليسعد النطق إن لم يسعد الحال !
إن مسألة التخرج في الجامعة سوف تظل دون شك واحدة من أهم علامات الطريق ومن أهم محطات الفرد في مقبل حياته ، وفي بلاد مثل السودان لا تزال تتلمس خطاها في طريق المدنية وحقوق الفرد الأساسية وبناء دولة المواطنة ، في ظل ظروف كهذه يقع على عاتقكم كوقود الثورة الحية وحملة مشاعل العلم واجب كبير، ليس أقله الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة ، وهو واجب كما كشفت أحوال دولة الانتقال في السودان فإنه لا يزال يحتاج للعمل الكثير . كذلك ، يقع عليكم واجب المشاركة في نشر التنوير وفضيلة التفكير . بعض طرائق تحقيق تلك المهام هي الانتقال من خانة المطلبية الواسمة لسلوك غالب طلاب الجامعات إلى حالة التشاركية ، والإنتقال من حال لوم الحكومات ، أو قل إدارات الجامعات ، إلى حال المشاركة في رصف مداميك البناء .
ليس من باب الوفاء على كل حال أن تكون غاية الهموم مغادرة البلاد ، ولن يعدم الواحد تبرير ذلك ، إنما ينبغي على الأقل وضع السيف في موضع الندي ، وربما تكتشفون حينها أنه من الصعوبة بمكان أن يتحول المرء من خانة الهتافية إلى خانة الإيجابية ، غير أن ثمة ما يجب الانتباه له هنا ، إنّ ما كنتم تعدونه عسفا وعدم اهتمام من إدارات الكليات والجامعة ، ستصبحون أنتم بعض فاعليه ولو على نطاق الحي الصغير . ففي إطار تنزيل تجربة الحكم المحلي وامتلاك الجماهير لزمام أمرها تبرز الحاجة للسواعد والعقول التي لطالما تحججت بعوائق الفهم القاصر لعمادات الطلاب وعسف الإدارات وكذا . أقول والحال كذلك إن مهمة البناء ليست باليسيرة ، الهروب إلى مدن الملح أيسر منها وكذلك إلى بلاد تموت من البرد حيتانها ، غير أنه وكما قال المجذوب : وطني كم بكيت فيك / وخانوك / وصدقت دينهم / والدمارا ...
تختتمون اليوم مسيرة امتدت لسنوات من البذل والعطاء ، لتبدأون مسيرة أخرى لعطاء آخر بطريقة مختلفة ، يخرج المرء من تجربة الجامعة بالكثير من الأصدقاء والصديقات ، يخرج بحصيلة من المواقف والذكريات تبقى لآخر العمر ، يخرج المرء من الجامعة متسلحا بسلاح المعرفة ، غير أن السلاح الأهم هو سلاح القيمية والأخلاق ، ليست الأخلاق بالطبع هي محض المثاليات المدعاة أو المكتوبة في حالات وسائل التواصل ، إن الأخلاق والتمسك بها ، والقيمية ، لهي عبء كبير في زمن اختلال القيم ، ومن الجلي أن الدولة السودانية لا يزال ينتظرها الكثير من العمل لتفكيك دولة المحسوبية والقبلية والكسل الذهني والابتزاز باسم الجهوية وباسم غياب التنمية واستغلال الفساد المؤصل بالقوانين ، تفكيك كل ذلك لصالح دولة المساواة والسلام والعدالة وإعلاء قيمة العمل ودرن الأيدي العمالية .
لعل بعض سبل وأسباب تحقيق ذلك من قبلكم هو الانخراط في لجان الأحياء القاعدية كنواة أولى لتنزيل الحكم المحلي ، إذ دون ذلك ستظل دولة الانفصال عن الجماهير هي المسيطرة ، ودون ذلك ستتسلق عبر هذه اللجان نباتات اللبلاب وطفيليات البودا .
أود في آخر هذه الكتابة أن أهنئكم وأن أهنئكن مرة أخرى على ما وصلتم إليه بعد كل هذه السنوات ، أما على صعيد الجامعة ، فستظل أبوابنا مشرعة لكم على الدوام ، كما كانت وستظل ، سنبذل جهدنا في الارتقاء بها وذلك جهد بدأناه وسيكمله دون شك القادمون من بعدنا . وبالله التوفيق .
ب. الوليد محمد الأمين
مدير الجامعة